السنة الطقسية  2008-2009    الأحد السادس من الصوم مرقس 10 : 46 – 52

     

م. ج. زائر رسولي

إن الذين يحبون الله تعينهم كل الأمور إلى الخير

تكاد الحياة العصرية، لما جرى عليها من تغييرات وتطورات في شتى المجالات، تجعل من الإنسان شبه آلة تعمل بصورة أوتوماتيكية لمجاراة حاجاته العديدة والمتزايدة بسبب سرعة تلك التحولات حتى غدت إرادته تضعف أمام التعب وتتجنب العمل والجهد سعيا لكسب المادة بأسهل السبل وأسرعها وأقلها كلفة .هكذا تفكير صار يشغله كليا حتى لِيُنسيَه الله خالقه ومحبَّه. وهكذا اختلطت عليه الموازين وانقلبت لديه القيم، وأصبح لا يطمئن إلا لما فيه مصلحة شخصية كعبادة المال والغنى واستملاك الأرض وغير ذلك... هذا الوضع يقود الإنسان إلى عدم التفكير جديا بالله و بالحياة الأخرى وبالخلود. فيصبح الموت الذي يفصله عن المادة وعن خيرات الدنيا، شبحا مخيفا يقوده إلى اليأس الخانق، لأن رجاءه في ما ينتظره من السعادة والفرح بعد الموت يكاد يكون لديه معدوما.  وفيما الإنسان يعاني من مخاوفه هذه، يواصل الرب عزمه على محبة الإنسان والبقاء على العهد الذي قطعه معه بدم ابنه يسوع. فيسمعه على المدى صوت التعزية وكلام الحياة ووعود الأب الثابتة: "شعرة واحدة لا تسقط على الأرض من دون أبيكم السماوي". مؤكدا له عطفه وعنايته الأبوية. وهو مَن يهتم بطيور السماء ويقيتها وهي لا تزع ولا تحصد ولا تجمع في الأهراء... أفلستم أفضل منها بكثير". ربنا ليس جاحدا كالإنسان ولا يعامل الإنسان حسب ضعفه. لأنه إله ولأنه حب والحب فيض وعطاء وأمانة ووفاء. مهما تطورت الحياة وأنى بلغت الحضارة يبقى الإنسان إنسانا بضعفه وحاجته إلى الحب والحياة .وهذا ما لايستطيع التطور والتقنية أن توفره للإنسان. الله وحده هو الحب وهو الطريق وهو الحق والحياة.

المحبة التي تكلمنا عنها عدة مرات هذه السنة، تستمد قوتها وتنطلق من مصدرها الذي هو الله.إلهنا يفرح بالتطور والتقدم والاختراع والصعود إلى القمر وسائر الكواكب. فهو الذي خلقنا وخلقها. وأعطانا العقل والفكر والفهم حتى نكتشف ونطور الحياة وننمو في النعمة أولا والقامة أي روحيا وماديا. المسيحية لا تمنعكََ من شىء ولا تقاصصك وتفرح في تطورك وازدهارك. فكل غنى وسخاء الطبيعة هو من الله. وإذن أنت في ذلك تكتشف أصابع الرب في الكون عندما تعمل وتكسب وتخترع وتكشف بنابيع الطبيعة لخدمة الإنسان. ولكن ما تنبهك عليه المسيحية هو أن تبقى حذرا من أن يحتل عملك هذا بكسبك واختراعك، محل الله . وعند ذلك لا تستطيع أن تخدم ربين. الحب يقول لك بي خلق الله الكون وما فيه. وأنت الآن تنجذب إلى ذرة تراب من هذا الكون وتنسى خالقك . أنا ما حرمتك من هذا الكون ومن خيراته. لك لخدمتكَ خلقته. ولكن لا تنكر حبي فتنساني وتذهب وراء ظل زائل. علينا إذن أن ننظر إلى الحياة العصرية بكل ما فيها من تقدم وغنى وما فيها من تطور، بمنظار الله الذي يحيل كل شيء إلى خير وبركة ونعمة. فكل ما في الكون خلقه الله لنمجده فيه ونكتشف عمق حبه لنا. أرنا ربي ذاتك في كل شيء. لنتأمل حبك في كل شيء. آمين .

 

الفهرس 2008