وأنا أتابع ما يُنشَر هنا أو هناك، تداعت أمامي هذه المقالة التي تفصِح عن نفسها؛ فرأيت، وبعد مرور قرابة أربعة شهور من كتابتها، دفعها إلى موقع (باخديدا) لتأخذ طريقها نحو القارئ، ليس في سبيل الترويج للمقال، بل للنشر الأوسع. باسم حنا بطرس: أوكلند – مطلع آذار 2005. |
مجلة تُدعى (الشمس)
باسم حنا بطرس
فنان، كاتب، باحث في علوم الموسيقى
أوكلند (نيوزيلندا) تشرين ثاني 2004.
شاءت الصدف ومن خلال تتبُّعاتي لما يُنشر على صفحات الإنترنيت، وبخاصة لما له علاقة بالعراق، الذي برز إسمُه وعَرف بإسمه العالم أجمع، بمن فيهم سكان نيوزيلندا الذين ما كانوا يعرفون عنه قدراً يسيراً، أقول شاءت الصدف أنْ يطالعني إعلان منشور على صفحات عنكاوة، لغلاف مجلَّة تدعى (الشمس)؛ أخذتُ أنقِّب في أحشاء هذا الإعلان لأجدَّن إسماً يهمُّني جداً التوصل وبأية وسيلة لمعرفة ما حلَّ بصاحبه الدهر منذ مغادرته وعائلته العراق في نهاية عقد التسعينات من القرن العشرين المنصرم.
برز أمام ناظريَّ إسم (فصيح الأصفر)؛ أوّاه! وأخيراً توصلتُ إلى خيط رفيع قد يقودُني إلى هذا الشخص الذي إِلتقيتُه عند الصديق الموسيقار الأب فيليب هيلايي في السنوات الأخيرة، فتوطَّدَت بيننا علاقة العلم والمعرفة، وأخذنا نتعاون على صعيد الثقافة المجتمعية.
تحرَّكَتْ فيَّ تنقيباتي: أين أجده، بل كيف أجدُه؟ وإنْ وجدتُه هل سيتذكَّرني؟ وما عليَّ سوى الطَرْق على الأبواب، لعلَّها تُفتَح أمامي!
وجدتُ ومن خلال إعلان الإنترنيت أيضاً، سبيلاً للإتصال: فكتبتُ فوراً وبدون تردُّد إلى رئيس تحرير مجلَّة الشمس، الأستاذ ساهر المالح، الذي ما كان لي شرف لقائِه سابقاً. رجوتُه إيصال رسالتي إلى فصيح، أو إعطائي عنوانه الإلكتروني أو البريدي.
ومرت أسابيع، كررتُ الكتابة ثانية، وكانت المفاجأة البديعة: جاءني البريد مُفعَماً بمغلَّفٍ كبير يحتوي نسخة من العددين الثاني والثالث للشمس. هنا تأجَّج المِرجَل في دواخلي، لأسارعَ إلى فتح المغلَّف والتنبيش بين ثنايا عَددَيْ المَجلة لعلِّي أجد ولو قُصاصة تحمل عنوان الأصفر، إن لم تكن رسالة إنتظرتُها منه باشتياق!
لكني وجدتُ عوضاً عنها إشارةً ضمنيَّة في رسالة قصيرة كنتُ قد بعثتُ بها إلى الشمس، تُعلن عن إستعدادي للتعاون في مضمار المجلة.
هنا أتوقف برهةً للإعراب عن شكري الجزيل لأخي ساهر، على تكرُّمه بمنحِ جزءٍ من وقتِه، بإرسال عددَي المجلة لي، فطالعتُهما من الغلاف إلى الغلاف، كما يقولون. وكذلك فعل أفراد عائلتي.
لا بد لي أنْ أعرِّج لمسألةٍ غايةً في الأهمية: نحن في بلدٍ قصيٍّ يُدعى نيوزيلندا، حيث لا يتوافر المطبوع العربي ما خلا نشرة بسيطة تصدر كل شهرٍ عن جمعية الثقافة العربية النيوزيلندية: وهذه على أهميتها، فإنها لا تروي الظمأ. فجاليتُنا في هذا البلد، على تنوُّعِها، جديدة عهدٍ، والذين لديهم ميلٌ للقراءة قليلون – وهذا لا يعني إبتعادهم عن الثقافة. لدينا نخبة كبيرة من المثقفين. لكنهم منشغلون في أعمالهم، ويستعيضون – كما أفعل أحياناً – بالإنترنيت رديفاً للمطبوع.
دعَوْنا لإصدار مطبوعٍ دَوْري وبحثنا الموضوع بكل جديَّة؛ فصارت دعوتُنا (صوتاً صارخاً في البريَّة).
أسوقُ هذا الحديث من موقعَين: كَوْني أسعى لإستقطاب عناية الناس نحو النشر الثقافي عبر إسهاماتي في الأحاديث والمحاضرات الثقافية، وكوني وكيلاً فخرياً لمجلات كنيستنا العراقية (نجم المشرق، والرهبانية – ربَّنوثا) ومتعاوناً مع مجلة (الفكر المسيحي)، في السعي لنشرها على أوسع قاعدة جماهيرية لمسيحيينا في هذا البلد.
مجلات رائعة ورائدة إخترقت كلَّ حواجز الزمن العاتي، وبخاصَّة الأحداث الجسام والمدمِّرة التي أتَت على كلِّ مَسربٍ ثقافي لبلدنا العراق فاقَ بِضراوته حرائق المكتبات على يد هولاكو؛ فالهولاكيُّون بمن جاء معهم ومَن دخل البلاد من خلالِهم خلسةً، هم ذاتهم اليوم جاءوا مدَّعين (تحرير) بُنية الإنسان العراقي، بعَكس خَيْلائهم في التحرير – كذا! بل جاء ذلك عن طريق تدميرها. أقول برغم كل الدمار صمدت مجلاتنا المذكورة وتواصلَ ضياؤها نوراً معرفيّاً أنيقاً وغنيّاً في ذات الوقت.
يكفي أن أعطي رقماً: لدينا في نيوزيلندا أربع عشرة مشتركاً (أنا مِن ضمنهم) في نجم المشرق؛ ومن جانب آخر، تقوم كنيستنا العراقية هنا بعرض ما يتوفر لديها من أعدادٍ للبيع أيام الأحد؛ وخيراً تفعل الكنيسة.
فالقراءة لا يعوضُّها إنترنيت، ولا يوازيها صوتٌ يُذاع على الأثير. القراءة لذَّة وتلذُّذ. هكذا وجدتُ نفسي مرتشِفاً بكامل وعيي من أي ينبوع كتابي؛ وهكذا أخذت تصلني مجلة (المنتدى) من صديق لي من أيام الإبتدائية في بغداد، يسكن في ديترويت، ستكون لي معه متابعة خاصة.
واليوم جاءتني الشمس بِسطوعها الوضّاء. هكذا إذاً: كان أخي فصيح الأصفر ذؤابةَ البوصلة التي قادتني إلى الشمس. وفي كلاهِما مكسَبٌ كبير.
أختم هذه الخلَجات بتأكيدي على التواصل مع الشمس، مثلما ما أفعل مع مواقع (باخديدا) و(علوم إنسانية) و(الفنان العراقي) و(عنكاوا) وغيرها من مواقع الإنترنيت، ليس على سبيل التكرار، بل الإنتشار الأوسع بمواضيع محوريَّة نحو قارئ العربية في كلِّ مكان.
شاكراً لك دكتور فصيح، وشاكراً لك أستاذ ساهر.
************
_________الصورة من إرشيف الكاتب: الأب يوسف حبّي يُدير لي محاضرةً في الموسيقى الكنسية، في كنيسة مار كوركيس ببغداد الجديدة، عام 1997____________________