شاكر سيفو

لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف بغديدا هذا اليوم

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

 

 

انتصار الحب بالألم ...  تتويج الألم بالحب       قراءة: شاكر مجيد سيفو

ثنائية فكرة المتن النصي الحكائي في "الحب في الزمن الصعب"

 

        تقترح قراءتنا لنص – الحب في الزمن الصعب – للكاتب باسم يوسف دخوكا – تقترح فعاليتها في تبرير لوحة الغلاف,إذ تتغذى الموضوعة الرئيسة على عناصر تشكيل اللوحة التي تشكلت من الوردة الحمراء وأوراقها الخضر المخنوقة بسلك شائك وهذه هي المعادلة الصعبة التي أنتجتها شخوص القصة ، هذه القصة الطويلة نسبياًّ ، وربما يمكن وصفها أو توصيفها بالرواية القصيرة ، لكنها في موضوعة التجنيس الأدبي الدقيق ، تبقى قصة ، لاختزالها الشديد والسريع حوادث الفكرة الرئيسة لها وحركة الشخوص وانتقالاتهم الزمانية والمكانية ... ثم ينتقل الكاتب إلى ثيمة الإهداء ويبدو سخيا فيه ، فهو يهدي قصته  لا بل "حُبّه  هذا في الزمن الصعب" إلى رفيقة دربه وحبيبة عمره "بيداء" والى كل المعذبين  في وطنه ويقدم شكره وتقديره إلى الأستاذ سالم عيسى تولا الذي كما يقول "باسم "بذل جهودا مضنية بمراجعة قصته لعدة مرات ، وتنقيحها ، لكنني أود أن أهمس في أذن الأستاذ سالم بأنه فاتته الكثير من الأخطاء النحوية ,,يمكنه وللقاريء أيضا العودة الى سطور الكتاب..

 ثم ينتقل الكاتب باسم دخوكا . ليشرح للقارئ موضّحاً فكرته الرئيسة في قصته هده بقوله " قصتي هذه هي قصة اغتيال الحب والكلمة والأمل " طبعاً في وطن سحقته الحروب الهمجية وأهلكت الآلاف المؤلفة من شبابه ، ويختتم مقدمته بكلمة يعبر فيها عن صراحته وصدقته في مجال الكتابة إذ يعتبر نصه الأدبي هذا والذي وسمه بالقصة  "إنها ليست أبداع اللغة بعالم الكتابة ، لربما افتقرت لمفردات لغوية رنانة" وهي فعلا هكذا ، هي كتابة تقريرية إخبارية حكائية  تتنازعها لغة النسيج الحكائي الإنشائي تناولت بصدق ومشاعر إنسانية فياضة وجياشة عميقة ، وحسيّة عالية وعواطف حميمية  في بناء وتشييد علاقات اجتماعية وعاطفية صادقة حدّ الفناء من أجل الآخر ، صحيح أن القصة تمفصلت  عبر التقرير الحكائي المتسلسل ، والغيري وبنية السير الذاتي .ثم ينتقل الكاتب إلى شرح موجز لإحداث قصته ،حيث يقول بالتحديد"أن أحداث القصة تدور في شمال  العراق بعد الأحداث المريرة التي مر بها الوطن بعد حرب  الخليج الثانية وانتكاساتها وتداعياتها الكارثية  ،ويختتم شرحه بقوله "قصتي هذه تتناول قصة حياة شرعية صغيرة من المجتمع في عام 1994 ، وما مروا به ، حيث دفعوا ثمنا باهضاً مقابل أحلام وأماني بسيطة جدا دفنت معهم في الأرض التي لا تشبع أبدا من دماء أبنائها" تنتمي "قصة" "الحب في الزمن الصعب" للكاتب باسم يوسف دخوكا إلى المدرسة الواقعية بامتياز ،فالشخصيات التي تتحرك ضمن دائرة النص تكتب حياتها بانحيازها إلى المبادئ الإنسانية في عالم تتنازعه  أقطاب الشرّ والكراهية والحقد والعنف والفقر والقتل والدمار من جانب وصور الحب والسمو والزهو والصدق والتفاني من جانب اخر وبخاصة , في  الشرق ,, وتتوفر عناصر الفن القصصي وهي "الزمان والمكان والحدث الرئيسي  والشخصيات  الرئيسية والثانوية في تشييد بناء حكائي تقوم عليه القصة على امتداد صفحاتها التي جاوزت المئة  . تتجلى موشورات الحكي  عبر سلسلة من الإشارات الحكائية  النصيّة التي تقترن لغتها بالإبلاغية  والإخبارية والإعلانية والتقريرية  وتتصل بثيماتها النصية عدد من الحوارات التي تخدم فكرة النص " بين نديم وسماء" وتعمل على تصعيد التجلي الحكائى  إلى أعلى مراتبه , وتتجلى القيمة الإنسانية   في هذا النص  بديمومة العلاقة  أيضاً بين شخصيتي- دريد وشروق ـ رغم انقطاعها الجزئي  بعد فقدان دريد صوابه وجنوحه نحو التشرد بين الحانات  و الشوارع وضياعه النفسي بفقدان أخيه هشام ، وقبله باغتيال صديقة الصحفي ـ نديم ـ ،استطاع الكاتب باسم مخوكا أن ينقل لنا القضايا الإنسانية المصيرية نقلاً واقعيا صرفاً ، وفوتوغرافيا جميلاً وحقيقياً وجذاباً إذ يتخيل القارئ أنه واحد من شخوص قصته ، أي قارئ ،وأي إنسان، يرى علاقته الإنسانية مع الأخر ـ رجلاً كان أم امرأة.

       يكتشف القارئ في قصة باسم دخوكا أمكنه قريبه من نفسه ، أمكنه أليفه ، هذه التي تتوزع بين المدينة والقرية والجبال التي يركز عليه رؤيته في مفصل خطير من مفاصل القصة والتي تكاد تشرف على  نهايتها – إن بناء المنظر الحكائي يترسخ هنا في تفاصيل الوصف الحسي المباشر بمفرداته وتفاصيلها بما يجعل رموز المفردات تنفتح على بعضها عبر دائرة الوصف دون الخوض في تفاصيل المسح التتابعي المطول لبنية الأمكنة – أما الزمان فقد حسم شفرته الكاتب بإشارته الذكية ، في شرحه بالقول : تدور احداث هذه القصة بعد حرب خليج الثانية .... تبتديء القصة باستهلال  ذكي وجميل بوصفه إحدى عتبات النص ومرتكزات البؤرة النصية للدخول إلى الأبعاد الجمالية والكشف عن الفضاء الحكائي والمشهدية القصصية التي توزعت عبر رؤيات تجزيئية ، ومفاصل متداخلة ، تبتديء القصة برنين جرس الهاتف لغرفة" دريد"  الذي يستفق في الحال ، حيث يسمع نداء صديقه  - نديم-وهو بالكاد ينطق كلماته طالباً نجدته " النجدة يا دريد أرجوك بسرعة يا دريد.." وفي الحال ، يقفز دريد من فراشه ويسرع لنجدة صديقه المغدور "نديم" هذا الصحفي الجريء الذي اقلقت مقالاته المسؤولين الكبار وقضت مضاجع الفاسدين ، ويسعى دريد – لإيصال صديقه إلى المستشفى – لكن دون جدوى إذ يفارق الحياة ، وهنا تبدأ رحلة دريد مع العذاب – إذ يفقد توازنه ويبدأ يذرع شوارع المدينة دون أمل ومن دون وعي وفي أحدى جولاته  ينقاد بطريقة عشوائية إلى دار صديقه نديم ويلقي بجسمه على سريريه ويتحسس بمجلد ضخم تحت الوسادة وقد كتب على غلافه " مذكراتي في الصحافة " يستدرج الكاتب القارئ بأسلوب ميلودرامي  إلى تمثل المفاصل الحكائية ويتبع هنا أسلوب الفلاش باك حيث يعود بالأحداث إلى  بداية حياة نديم – حينما يقرر العمل في إحدى الصحف " صحيفة المستقبل" وهنا يلتقي رئيس التحرير وهذا يعرفه على كل كادر الصحيفة ، ويبدأ نشاطه الاستثنائي بكتابة ونشر مقالات جريئة معريا وناقدا فيها كل الاعيب المتسلطين والفاسدين من مسؤولي الحكومة والتجار وأعوانهم . ويتعرض هنا المساءلة أحد الوزراء الذي يهدده بالعواقب الوخيمة من جراء نشره مثل هذه المقالات الساخرة والناقدة الحادة – لكنه يتماسك بقوة ويفوّت الفرصة على هؤلاء بشجاعته وثقافته الصحافية وابتكاره لحيلة وهي "قربه من القائد"، ويرد على الوزير بقوله هكذا " أظنني اَعلم جيداً ولكن انتم من لا يدرك أو يقدر حق صحفي .وان كنتم تودونني  أن  اتصل بالقائد أنني أفعلها وعلى الفور فأظنكم لا تعلمون أنني من  أقاربه وهو أستاذي أيضاً، وسوف أخبره بما يجري معنا " ص24 ويضيف "بأن البرلمان أقرّ حرية  الصحافة" تنتقل الأحداث بتسلسل لذيذ وقريب من أفق القارئ وتوقعاته, ففي مذكرات ـ نديم ـ صفحة من صفحات حياته العاطفية التي تكشف عن حُبهّ ل"سماء" وتقربها له وقد تبين هذا المفصل الحكائي عبر موشور حواري بين  نديم وسماء، ممثلاً بهذه القيمة الحوارية بين نديم وسماء: نديم: الحقيقة لا أتصور نفسي أبدا أعيش في حالة حب ما. سماء :وهل استطيع أن أسأل لماذا؟نديم :لأنني لا أود العذاب لاّمرأة اختارها لتكون حبيبتي. سماء: ولمَ العذاب؟ نديم: لأنني أجهل غدي. (وهنا يبرر نديم دخوله عالم الصحافة والكتابة وشغفه العميق والشديد بكتابة مقالات ناقدة وساخرة للوضع السياسي والاجتماعي، حيث تتشعب الفكرة القصصية هنا، يستعيد نديم شعوره ووعيه العميق إذ يكشف عن غيرته وارتباطه بالعمل الصحفي وأسبابه، وتتجسد الفترة المبكرة منها في  إعدام والده، ثم وفاة والدته، بعدها إعدام أخيه حيث كان هو في العاشرة من عمره. كل هذه الصورة المأساوية  كان لها وقع كارثي عليه،وبالتالي على حياة صديقه دريد الذي ظل على امتداد مساحة عريضة للحدث القصصي يعاني من أزمة نفسية حادة بسبب اغتيال صديقه ـ نديم، وتتسارع الأحداث وتتصاعد حدتها بسبب ما جرى لدريد" المدرس" حيث ينقل إلى المستشفى  وتبدأ هنا تحقيقات الشرطة معه حول عملية اغتيال  صديقه نديم  وهذه الصعوبات تسبب له الإعياء النفسي والتعب الجسدي، وفي محاولة من الكاتب لاستدعاء القارئ إلى التصاعد الذروي للنص  تدخل بحت شروق صديقة دريد على خط التماس القصصيه، حيث سارعت هذه مع أخيه هشام للسعي بجدية فائقة إعادة دريد إلى الحياة الطبيعية، ينقل لنا الكاتب حلم شروق عندما"تتأمل لوحه فنية معلقة في واجهة أحد المحلات حيث تستذكر خطيبها دريد وتسأله"أين كنت كل هذه الأيام ص 57 ؟: تتصاعد وتيرة الحدث القصصي في لقطات تكاد تحسم مسار الحكاية الرئيسة للمشهد الدرامي للشخصيات، وتتمثل الذروة في دعوة هشام ومصارحة أخيه دريد وشروق  في إصراره على الهجرة، وتتشابك خيوط الحكاية حيث يتفاجأ دريد وشروق بهذه الفكرة ـ أي فكرة هشام الذي كان قد خطط لها منذ فترة، هروباً من الواقع المرير الذي يعيشه الإنسان العراقي، يتفق هشام مع أحد المهربين وهو سردار، يأخذه من دهوك بالسيارة  وفي الطريق يندهش هشام  وهو يتأمل مناظر الجبال والخضرة التي تكتسيها أشجارها المختلفة حيث يبدأ باستحضار وعيه الاستثنائي:"كم أنت جميل يا وطن ولكن ماذا أقول لمن حوّل هذا الجمال إلى خراب ودمار. وتبدأ رحلة عبور الحدود إلى تركيا حيث الجبال الشاهقة والطرق الوعرة وتنتاب هشام دهشه ورهبة منها وحذر وخوف شديدين،إذ يطلب من المهرب سردار لو حدث له أي طارئ أن يوصل رسالته التي كتبها قبل المسير الشاق إلى أخيه دريد، بعد أن كتب له بعض السطور التي بدت فيها صبغة النكوص والتشاؤم والانكسار.وفعلا يتحقق مثل هذا الحلم الكارثي لهشام أثناء تقدمه هو وسردار داخل الحدود التركية حيث يتلقى إطلاقه  ناريه من الجندرمة التركية تصيبه في كتفه وتؤدي به إلى النهاية ..يعود المهرب سردار خائفاً، إلى أربيل يبحث عن دريد ويسلمهُ رسالة من أخيه هشام. كان  يؤكد فيها لدريد أن يواصل –بقوة- مسيرة حياته التي يجب أن تستمر رغم كل المصاعب. وهنا يتلقى دريد صفعة مدمرة أخرى، يفقد صوابه ثانية من أثرها الكارثي تنقله من الحياة العادية إلى ما يشبه الجنون. فلم تعد عنده الحياة ذا قيمة تذكر. أصبح يرى الملاذ في إدمانه على الخمر والتشرد في الطرقات والانقطاع عن العالم والناس، والتردد على البارات مستجديا كأساً من هذا وذاك، وفي أحدى المرات يلتقيه  ضابط الشرطة الذي كان قد حقق معه حول حادث اغتيال صديقه الصحفي ـ نديم ـ ويدعوه إلى تناول كأس معه ويسأل دريد منه عن مصير ذلك الملف,، لكن دون جواب ..أعتاد دريد أن يذرع شوارع المدينة، وذات مرّة يصادف في طريقه شروق، وهنا يلتقيان بعد تداعيات.الخطوات، يصارحها بقول:شروق أنسيني أرجوك وابحثي عن مستقبلك. تجيبه شروق:ماذا تقول  أنسيت حبنا؟ أين مضت أحلامنا؟ يجيب بانكسار ونكوص:قتلها الزمن... وتحتدم الأمور لتعود أم شروق تدّل ابنتها على شاب اسمه"مخلص" وبعد سلسلة من الأحاديث تدفع الأم أبنتها لخطوبة مخلص وفي أحد الأيام وهما يسيران في الطريق ـ شروق ومخلص ـ اقتربا من شاب أشبه بمتسول ـ تقف شروق بدهشة واستغراب وتركع أمامه وهو ينظر لها وهي  تذرف دموعها الغزيرة حزينة على هيئته، وفي هذه الأثناء يلقى خطيبها مخلص بعض الدنانير أمام دريد. ثم يسحب خطيبته "شروق" تعالي بعد أيام لن تجدين مثل هؤلاء المتسولين في شوارع أوربا. تنزعج شروق وتتألم وتخفي ألمها, لكنها تظهر انزعاجها وحزنها الشديد وتصرح لمخلص وتقول له : هذا الشاب الذي رأيناه كان خطيبي وليس متسولا وأنا لا استطيع تركه على هذه الحال. وهنا يسارع مخلص ليقول لها  : وأنا لا أود أن ارتبط بفتاة منشغلة بكل أحاسيسها ومشاعرها بشاب أخر.  وفي الحال تعيد  له خاتم الخطوبة. وعادت إلى خطيبها الأول دريد لتنقذه من مأساته وتعيده إلى الحياة الطبيعية ويبدا دريد يتذكر أقواله السابقة: يقول: أتذكر يوم مصارحتك لي اليوم الذي كنت تقضين أمام ذالك  المحل،نعم أتذكر ماذا قلت لي؟نعم.نعم قلت لك حاولت فلم أقدر:حينها سألتك.. حاولت ماذا؟ فقال:أخبرتك حاولت أن أمحييك من فكري... اعذريني  ففشلت قالت: وأنا أيضاً يا دريد :حاولت كل جهدي أن أمحييك من خيالي وقلبي،اعذريني، فلم أقدر. وكيف استطيع وأنت أغلى من الحياة نفسها ص 103: هكذا تنتصر الرؤى الإنسانية العاطفية الصادقة  حتى في الأزمنة الصعبة:عادت شروق إلى دريد وعاد دريد إلى وعيه الثقافي والاجتماعي النابض بالحياة والحب والحرية .وها هو يجسد ما بدأه الكاتب باسم دخوكا في تصريحه الواقعي معبّراً عن صرخته الواقعية الحقيقية بانتصار الحب على الكراهية والعنف والقتل والعبودية.

 

 

أنتقل الى صفحة الشاعر شاكر سيفو